حكم صيام يوم السبت

وردت إلى الصفحة أسئلة كثيرة من جهات عديدة من الوطن يسأل أصحابها عن حكم إفراد يوم السبت بالصيام وقد صادف يوم عاشوراء وكذلك حكم صيام يوم الجمعة وهل صحيح أنه يحرم صيام يوم السبت ؟ وقد بلغنا من مصادر عديدة أن فتيا أثيرت حول مسألة لدرجة أن أحدهم أخبرنا أن من صام عاشوراء يوم السبت وانكشف أمره قاطعته تحرم صيام السبت وصار منبوذاً مجروحاً وقد بعضهم عزيمة غيره على مائدة الشاي بالمقاهي ليتبين له الصائم من غيره ونحن بإذن الله نستجيب لقرائنا العزاء ولكل من اتصل بنا، وقد طلبنا من الجميع انتظار ما نجيب به على صفحات العربي لأن المسألة في حاجة إلى تحرير فنقول وبالله التوفيق ...
يسن صيام يوم عاشوراء وهو عاشر محرم، ففي صحيح: "قدم النبي  المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه فأمر بصيامه" البخاري مع فتح الباري 5/150، وفي الصحيح أن النبي  صام عاشوراء وقال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" مسلم 2/798، وفي حديث أبي قتادة قال: قال رسول الله : "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه الترمذي 3/124 و136 في مسنده 5/296، ويحتسب إكثار الصيام في محرم بلا حد لقول النبي : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم أو أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" مسلم 2/821، وقد نهى النبي  عن تخصيص يوم الجمعة بصيام دون أن يكون متصلاً بيوم قبله أو بعده، لحديث أبي هريرة  قال: سمعت النبي  يقول: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده" رواه البخاري 1985 وأنظر فتح الباري ج4 ص231 ولحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي  دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس ؟" قالت: لا قال: "تريدين أن تصومي غداً ؟" قالت: لا قال: "فافطري". رواه البخاري 1986 وأنظر فتح الباري ج4 ص232 ورواه أحمد والنسائي بسند جيد وكذلك كره علماؤنا إفراد السبت بالصوم وتزول الكراهة بصيام يوم قبله أو يوم بعده جمعاً بين الأدلة المبيحة لصيام السبت والناهية عن صيامه، فمن المبيحة لصيامه:
حديث أبي هريرة مرفوعا: "إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده" رواه ابن خزيمة في صحيحه 2167.
وعن عامر بن لدين الأشعري  قال: سمعت رسول الله : "إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه إلا أن تصوموا قبله أو بعده" رواه البزار بإسناد حسن.
وعن السيدة أم سلمة رضي الله عنها: "أن رسول الله  أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، كان يقول إنهما يوما عيد المشركين وأنا أريد أن أخالفهم" رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وعن السيدة أم سلمة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله  يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان" رواه النسائي 2175 والترمذي 736 وقال حديث حسن وأبو داود 2336 ومنها حديث أبي هريرة  قال: سمعت رسول الله  يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده" رواه البخاري 1985 ومسلم 1144 وأحمد 2/495، والترمذي 743، وابن ماجه 1723.
ومنها حديث أم المؤمنين جويرية الذي سبق رضي الله عنها: أن النبي  دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس ؟" قالت: لا قال: "تريدين أن تصومي غداً ؟" قالت: لا قال: "فافطري". رواه البخاري 1986 أما إذا كانت عادة الإنسان أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أو نذر صوم يوم معين وصادف ذلك اليوم يوم الجمعة فيصومه ولا شيء عليه لحديث أبي هريرة عن النبي  قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" رواه أحمد 2/394، ومسلم 1144-148، وبهذا يتبين أن الكراهة منصبة على إفراد الجمعة أو إفراد السبت بصيام أما صيام الجمعة والسبت أو الخميس والجمعة أو السبت والأحد الخميس والجمعة والسبت فلا كراهة في ذلك ومن فعل ذلك فقد أحيا سنته عليه الصلاة والسلام وقد استدل من حرم صيام السبت ولو صادف يوم عرفة أو عاشوراء بحديث الصماء بنت يسر مرفوعاً: أن رسول الله  قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا في فريضة" رواه أحمد في مسنده 4/189 و6/368 وأبو داود 2421 والترمذي 744 وابن حبان 8/379/3615 والحاكم 1/435 والبيهقي 4/302.
وقد حكم عليه فحول الحديث بالضعف والاضطراب والشذوذ وحكم عليه أبو داود بأن منسوخ وقد لخص الكلام عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام ص193 فقل: "رجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك، وقال أبو داود منسوخ" وضعفه الإمام أحمد كما نقل ذلك ابن القيم في عون المعبود 7/68 ولم يعمل به وأما أبو داود فقال عقب روايته للحديث هذا الحديث منسوخ أنظر عون المعبود ج7 ص49 حديث رقم 2418 باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم وقد حسن الترمذي هذا الحديث وعلق عليه فقال: ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت، أنظر عارضة الأحوذي ج3 ص280 وحكم عليه النسائي بالاضطراب كما ذكره المنذري أنظر تحفة الأحوذي للمباركفوري ص168 وذهب ابن حبان في صحيحه 8/381 لنفس ما ذهب إليه الترمذي فقال: "ذكر العلة التي من أجلها نهي عن صيام يوم السبت مع البيان بأنه إذا قرن بيوم آخر جاز صومه".
وقد حكم عشرات العلماء بأن الحديث يعارض ما هو أصح منه من جواز صيام يوم السبت ومن هؤلاء الإمام الحاكم في المستدرك ج1/435 فقد ذكر الأحاديث الصحيحة التي تعارض هذا الحديث فذكر حديث جويرية وحديث أم سلمة ومنهم الإمام البيهقي في سنته ج4 ص498 باب ما ورد من النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم فقال: "وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ما دل على جواز صوم يوم السبت، وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له والله أعلم".
وبهذا يتبين الخطأ الفاحش الذي ذهب إليه الألباني في تمام منته من تحريم صيام يوم السبت مخالفاً بذلك للإجماع وللنصوص الصحيحة المبيحة لذلك ولفعله عليه الصلاة والسلام وقد احتاط الألباني لنفسه فقال في تمام منته ص408: (هذا ما بدا لي فإن أصبت فمن الله وله الحمد على فضله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفر من ذنبي) فإذا كان هو قد استغفر من ذنبه واحتاط لفتواه واحتمل خطأه فيها فكيف بالمتعصبة لا يحتملون خطأه فهل هم ألبانيين أكثر من الألباني نفسه ؟
وقد حكم الحافظ ابن حجر على حديث "لا تصوموا يوم السبت إلا في الفريضة" بالاضطراب كما هو مذكور في التخليص ج2/216 وحكم عليه ابن القيم بالشذوذ كما هو مذكور في عون المعبود ج7/68 وحكم عليه ابن تيمية بالشذوذ أيضاً كما هو مذكور في الفروع لابن مفلح المقدسي ج3/123-124 وأنكره الزهري وضعفه كما هو مذكور في معاني الآثار للطحاوي ج2/81 وقال عنه إمام دار الهجرة  هذا الحديث هو كذب كما ذكره أبو داود في سننه.
قلت يكفي لأي إزالة الإبهام الذي أورده أصحاب الأوهام الذين حرموا صيام يوم السبت على الأنام وأشاعوا الفتنة في بيوت الله تعالى حتى أعلن احدهم مفتخراً أنه منع أخاه من الصيام وقاطع غيره اخا له في الإسلام لأنه قبض عليه متلبساً بصيام يوم السبت وعوض أن يرشده لصيام يوم بعده فتزول الكراهة بإجماع أهل الإسلام قاطعه وهجره لأنه بزعمه قد ارتكب كبيرة لا تغتفر حتى اهتدى أحدهم إلى حيلة جهنمية فعزم جماعته إلى المقهى فمن شرب وأكل فهو على السنة ومن أبى انكشف أمره وقبض عليه متلبساً بصيام السبت وهذا يكفي في هجرانه لأنه من المبتدعة، ووالله لهي نعمة أنعم الله بها على هذا المسكين فلأن يهجرك الجهلة والرويضة والمتعالمين فتلك نعمة أنعم الله بها عليك يستحق عليها الشكر، قلت يكفي في بيان بطلان فتوى تحريم صيام السبت ما أخرجه النسائي والبيهقي وابن حبان والحاكم وصححه وابن خزيمة وصححه عن كريب "أن ناساً من أصحاب النبي  بعثوه إلى أم سلمة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله  أكثر لها صياماً فقالت: يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها فقالت: صدق وكان يقول إنهما يوما عيد المشركين فإنا أريد أن أخالفهم" هذا ما تيسر الآن ومن أراد التفاصيل أكثر فليبحث عن رسالة الإمام المحدث حسن السقاف (وهم سيء البخت الذي حرم صيام السبت) وهي مطبوعة ضمن رسائله وفيما ذكره كفاية لمن يريد الهداية أما العنيد فلا تسمعه إلا رحمة الله تعالى، وجنبنا الله تعالى التعصب لغير سيد الخلق آمين.

الشيخ: شمس الدين بوروبي