خطر الجهل

يفعل الجاهل في نفسه ما يفعل العدو في عدوه. هكذا كان يقول لنا مشايخنا الذين أخذنا عنهم العلم، كانوا يعلموننا أن أخطر عدو هو الجهل و أعظم معصية سببها الجهل و كان شيخي رضي الله عنه يرسخ في ذهني - أن الجاهل لا يعذر بجهله- فحببوا إلينا العلم و طلب العلم و التفاني في طلبه ولازالت وصية الإمام النخلي لابن باديس ترن في أذني لما قال له إياك أن تطلب العلم لأجل الرغيف!! فالعلم مطلوب لذاته محمود لذاته و كان الأئمة يعلمون الناس العلم قبل أن تتفشى ظاهرة السراخ في المساجد كان الناس يقرؤون العلم و كان عمدتهم في الفقه متن المرشد المعين لابن عاشر يحفظونه عن ظهر قلب و لطلبة العلم مختصر خليل و رسالة ابن أبي زيد القيرواني و في العقيدة متن الجوهرة و الخريدة للدردير و السنوسية حفظا عن ظهر قلب و في الأصول ورقات إمام الحرمين ثم جمع الجوامع و في الحديث يحفظون البيقونية ثم ألفية الحديث للسيوطي و في النحو الآجرومية ثم ألفية ابن مالك و في التفسير حاشية الصاوي على الجلالين ثم القرطبي و في القراءات النونية ثم الجزرية و الشاطبية و في الميراث الرحبية و في المنطق السلم للأخضري و كل هذه العلوم و المتون تدرس على يد مشايخ أتقياء أنقياء ملأ النور قلوبهم و ملأ العلم عقولهم رحماء بالخلق، لا يمكن أن أنسى و أنا صغير أول مرة و أول شرطية تكلف بتنظيم المرور في شوارع "بلكور" -بلكور حي من أحياء العاصمة الجزائرية- المزدحمة و كانت الأمة كلها ساخطة على هذا الفعل و نحن الشباب ننظر لتلك الشرطية نظرة استحقار و أدخل لزيارة شيخي العلامة محمد رحو في مقصورته المطلة على الشارع فأجده يبكي بكاءا مريرا فسألته مابك يا سيدي قال لي تلك الشرطية منذ الصباح و هي في وسط الطريق لا ماء و لا غذاء و الشمس محرقة، نعم والله شيخ جليل شاب شعره في طلب العلم و الدعوة يبكي رحمة بالفتاة ثم كلفني أن أحمل إليها الماء و أسألها إن كانت بحاجة لأي شيء وبكت الفتاة لما علمت أن إمام المسجد يرسل لها الماء و حكت لي قصتها التي لن أذكرها. هكذا كان مشايخنا الذين هذبهم العلم الصحيح أما بعد أن غزتنا الكتيبات التي توزع مجانا و لا تباع و نشأ جيل من الشباب ممن تتلمذ على هذه الكتيبات فالحال كما ترون ، تصوروا شباب يتتلمذون على كتاب عنوانه - الصاعقة على من أكل بالملعقة-والرصاصة في حكم المرأة الفرطاسة- والهبال في تحريم تزويج البنات ممن نزل من الجبال- والأدلة النقلية و العقلية على حرمة دخول البرلمانات التشريعية-والسيف البتار في عنق الحاج مختار- والكلب العاوي في الرد على القرضاوي- و القول الوافي في الرد على من زعم أن ابن باديس سلفي- و البوطي في الميزان و سعيد حوى في الميزان و الصابوني في الميزان و لا ينظر إلى الناس إلا على أساس أنهم مبتدعة و على ظلال. ماذا تكون النتيجة لا شك أن مثل هذه الأة الحشوية قد شكل دماغه ليكون آلة طيّعة في يد مشايخ البترودولار يحركونه كما يشاؤون وفق أجندة أريكية خالصة فاحذروا الفكر الحشوي فهو دائما في الجهل و الجهل في خدمة الإستعمار