مسجد الاسراء و المعراج عنابة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تم نقل الموقع الى الرابط التالي http://www.isrami3raj.com/

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مسجد الاسراء و المعراج عنابة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تم نقل الموقع الى الرابط التالي http://www.isrami3raj.com/
مسجد الاسراء و المعراج عنابة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» فضل عشر ذي الحجة
تزكية النفوس Icon_minitime1الأحد 2 أكتوبر - 15:32 من طرف ابو حامد

» موقعنا الجديد
تزكية النفوس Icon_minitime1الأربعاء 28 سبتمبر - 1:11 من طرف ابو حامد

» الجنة و التار
تزكية النفوس Icon_minitime1الثلاثاء 27 سبتمبر - 17:12 من طرف درصاف

» قل و أنت ساجدا
تزكية النفوس Icon_minitime1الثلاثاء 27 سبتمبر - 17:02 من طرف درصاف

» القرآن الكريم
تزكية النفوس Icon_minitime1الإثنين 26 سبتمبر - 22:01 من طرف درصاف

» كلمات في الرقائق 2
تزكية النفوس Icon_minitime1الثلاثاء 20 سبتمبر - 23:59 من طرف درصاف

» نوح (عليه السلام)
تزكية النفوس Icon_minitime1الجمعة 16 سبتمبر - 14:40 من طرف karimm3

» قصة إدريس عليه السلام
تزكية النفوس Icon_minitime1الجمعة 16 سبتمبر - 14:39 من طرف karimm3

» سيدنا ءادم عليه السلام
تزكية النفوس Icon_minitime1الجمعة 16 سبتمبر - 14:39 من طرف karimm3

مكتبة الصور


تزكية النفوس Empty
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  

اليومية اليومية


تزكية النفوس

اذهب الى الأسفل

تزكية النفوس Empty تزكية النفوس

مُساهمة  ابو حامد الجمعة 15 يوليو - 16:44

ملخص الخطبة

1- مقصد تزكية النفوس وإصلاح القلوب. 2- مذاهب الناس في تزكية النفس. 3- السبيل الصحيح للتزكية في الكتاب والسنة. 4- أهمية التوحيد والعبودية لله تعالى في تزكية النفوس. 5- أمور تزكي النفس. 6- فضل التوبة وأهميتها وحقيقتها.


الخطبة الأولى


أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، واذكروا أنكم موقوفون عليه، مسؤولون بين يديه، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34-37].

عبادَ الله، تزكيةُ النفوس وتقويمُها وإصلاحُ القلوب وتَطهيرُها أملٌ سَعَى إليه العُقلاءُ في كلّ الثقافات وفي كل الحضارات منذ أقدَمِ العصورِ، فسلكوا إلى بلوغِهِ مسالكَ شتَّى، وشرعوا لأنفُسِهم مناهجَ وطرائقَ قِددًا، وحسِبوا أنَّ في أَخذِهم أنفسَهم بها إِدراكَ المُنى وبلوغَ الآمال في الحَظوة بالحياةِ الطيِّبة والعيش الهانِئِ السّعيد؛ فمن تعذيبٍ للجسد بأمورٍ وأعمالٍ مُضنِية، أسمَوها: رياضات ومُجاهدات، إلى إغراقٍ في الشهوات وانهماكٍ في طَلَب اللذَّات بإسرافٍ على النّفس لا حدَّ يحُدُّه، إلى عُكوفٍ على منَاهجَ فلسفيّة وتأمّلاتٍ قائمةٍ على شَطَحاتٍ وخَيالات لا سَنَد لها مِن واقعٍ، ولا ظهيرَ لها مِن عَقلٍ، إلى غير ذلك من نزَعاتٍ وطرائقَ لا يجدُ فيها اللبيبُ ضالَّتَه، ولا يبلغُ منها بُغيتَه.

غير أنَّ كلَّ من أُوتِي حظًّا من الإنصاف ونصيبًا من حُسن النظر والبَصَر بالأمور لا يجِدُ حرجًا في الإقرار بأن السعادةَ الحقَّة التي تَطيبُ بها الدنيا وتطمئنُّ بها القلوب وتزكُو النفوس هي تلكَ التي يُبيِّنُها ويكشِفُ عن حقيقتها الكتابُ الحكيم والسنةُ الشريفة بأوضحِ عبارةٍ وأدقِّها وأجمَعِها في الدّلالة على المقصود.

عبادَ الله، لقد أرسل الله رُسلَه وأنزل كتبَه ليُرشِد الناس إلى سُبُل تزكيةِ أنفسِهم وإصلاح قلوبهم، وليُبيِّن لهم أنَّ ذلك الأمرَ لن يتحقَّق إلا حينَ يُؤدُّون حقَّ الله عليهم في إخلاصِ العبودية له؛ إذ هي الغايةُ من خلقه سبحانه لهم، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56-58].

وقَد جاءَ في كتاب الله وسنّةِ رسول الله بيانُ الطّريقِ إلى هذه التزكيةِ التي جعل الله فلاحَ المرءِ مرهونًا بها، وجعَل الخيبةَ والخُسرانَ مرهونًا بضِدِّها، وهو التدسِية؛ أي: تخبيثُ وتلويثُ النفس وإفسادُها بالخطايا، فقال سبحانه: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس: 7-10]، وقال عزَّ اسمُه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى: 14، 15]، وقال سبحانه في خطاب نبيِّه موسى -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- حين أرسله إلى فرعون: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [النازعات: 17-19].

وإنّ هذا الكتاب المبارَك الذي جعله الله روحًا تحيا به القلوب، ونورًا تنجابُ به الظلمات، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]، إنّ هذا الكتابَ ليُصرِّحُ أنّ أساسَ التزكيةِ في الإسلام وروحها وعمادَها ومحورَها توحيدُ الله تعالى.

وحقيقتُه كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "أن يشهدَ العبدُ انفرادَ الربِّ تبارك وتعالى بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان، وما لم يشَأ لم يكن، وأنه لا تتحرَّك ذرَّةٌ إلا بإذنه، وأن الخلقَ مقهورون تحت قبضَته، وأنه ما من قلبٍ إلا وهو بين إصبعين من أصابعه إن شاء أن يُقيمَه أقامَه، وإن شاء أن يُزيغَه أزاغَه، فالقلوب بيده، وهو مُقلِّبها ومُصرِّفها كيف شاء وكيف أراد، وأنه هو الذي آتَى نفوس المؤمنين تقواها، وهو الذي هداها وزكَّاها، وألهمَ نفوسَ الفُجَّار فجورَها وأشقاها، من يهدِ الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويُضِلُّ من يشاء بعدله وحكمته، هذا فضُه وعطاؤه، وما فضلُ الكريم بممنون، وهذا عدلُه وقضاؤه، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23].

وفي هذا المشهَدِ يتحقَّقُ للعبد مقامُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] علمًا وحالاً؛ فيثبُت قدمُ العبد في توحيد الربوبية، ثم يرقى منه صاعدًا إلى توحيد الإلهية، فإنه إذا تيقَّن أن الضرَّ والنفع والعطاءَ والمنعَ والهُدى والضلال والسعادةَ والشقاء؛ كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يُقلِّبُ القلوب ويُصرِّفها كيف يشاء، وأنه لا مُوفَّق إلا من وفَّقه وأعانَه، ولا مخذولَ إلا من خذَلَه وأهانَه وتخلَّى عنه، وأن أصحَّ القلوب وأسلمَها وأقومَها وأرقَّها وأصفاها وأشدَّها وأليَنها من اتخذَه وحده إلهًا ومعبودًا، فكان أحبَّ إليه من كل ما سواه، وأخوفَ عنده من كل ما سواه، وأرجَى له من كل ما سواه؛ فتتقدَّمُ محبتُه في قلبه جميعَ المحابِّ، فتنساقُ المحابُّ تبعًا لها كما ينساقُ الجيشُ تبعًا للسلطان، ويتقدَّمُ خوفُه في قلبه جميعَ المخوفات، فتنساقُ المخاوفُ كلها تبعًا لخوفه، ويتقدَّمُ رجاؤه في قلبه جميعَ الرجاء، فينساقُ كلّ رجاءٍ تبعًا لرجائه.

فهذا علامةُ توحيد الألوهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه هو توحيد الربوبية.

والمقصود: أن العبد يحصلُ له في هذا المشهد من مُطالعَة الجنايات والذنوب وجريانِها عليه وعلى الخليقة بتقدير العزيز الحكيم، وأنه لا عاصمَ من غضبه وأسباب سخَطه إلا هُو، ولا سبيلَ إلى طاعته إلا بمعُونته، ولا وصول إلى مرضاته إلا بتوفيقِه؛ فمواردُ الأمور كلها منه، ومصادرُها إليه، وأزِمَّةُ التوفيقِ جميعُها بيديه، فلا مُستعانَ للعباد إلا به، ولا مُتَّكَل إلا عليه، كما قال شعيب خطيب الأنبياء: وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود: 88]" انتهى.

وإنّ أثر التوحيد في التزكية بل في حياة المسلم ليَبدو جليًّا في توحيد الهدف والغاية واتفاق العلم والعمل؛ حتى يكون فهمُ المسلم وعقيدتُه وعلمُه وعملُه وقصدُه واتجاهاتُ قلبه ونشاطُه منتظمًا في سلكٍ واحد، مُتوافقٍ مُؤتلِف، لا تعارُض فيه ولا تضارُب، ويرتفعُ عن كاهل الإنسان ذلك الضيقُ المُمِضُّ الذي يستشعِرُه حين تتعارضُ في نفسه الأهداف وتتناقضُ الأعمال.

ومما يُزكِّي النفوس أيضًا: تجديدُ الإيمان فيها على الدوام؛ إذ الإيمانُ يخلَقُ كما تخلَقُ الثياب، ولذا كان صحابةُ رسول الله يأخذُ أحدُهم بيد الآخر فيقول: (تعالَ نُؤمن ساعة)، فيجلِسان فيذكُران الله تعالى.

وفي ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه وطاعته والازدلافِ إليه أعظمُ ما يُجدِّدُ الإيمانَ في نفس المؤمن الذي يعلَمُ أن الإيمان يزيدُ بالطاعة وينقُص بالمعصية، فيعمل على زيادة إيمانه بصدق الالتجاء إلى الله تعالى الذي تكون أظهرُ ثِماره المُباركة تزكيةُ النفوس كما جاء في الدعاء النبويّ الكريم: ((اللّهمّ آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها)).

ومما يُزكِّي النفسَ ويُصلِحُ القلب: دوامُ تذكُّر نعم الله التي أنعمَ بها على عباده؛ فإن إحصاءها خارجٌ عن مقدور البشر، كما قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 18]، فإن هذا التذكُّر لهذه النعم يُورِثُ الذاكِر لها كمالَ تعلُّقٍ بربّه، وتمامَ توجُّهٍ إليه، وخضوعًا وتذلُّلاً له سبحانه؛ فإنّ كلَّ ما وهبَه من حياةٍ وصحةٍ ومالٍ وولدٍ وجاهٍ وغيرها إنما هو منَّةٌ منه، وفضلٌ وإنعامٌ أنعمَ به كيف ومتى شاء، ولو شاء لسلَبَ ذلك منه متى شاء؛ فإنه مالكُ الملك كلِّه، بيده الخيرُ يُؤتيه من يشاء، ويصرِفُه عمن يشاء.

ومعرفةُ ذلك ودوامُ تذكُّره باعثٌ على مَعرِفة العبد بعَجزِه وضعفه وافتقاره إلى ربّه في كلّ شؤونه، غير أنّ تذكُّر النّعم لا بد من اقترانه بالعمل الذي يرضاه الله ويُحبُّه ويُثيبُ عليه يوم القيامة، وحقيقتُه: فعلُ الخيرات، وتركُ المنكرات، على هُدًى من الله، ومتابعةٍ لرسول الله ، مع العنايةِ الخاصةِ بالفرائضِ التي افترضَها الله على عباده؛ إذ هي أحبُّ ما يتقرَّبُ به العبدُ إلى ربه، كما جاء في الحديث: ((إن الله تعالى قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذَني لأُعيذنَّه)) أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة .

ومما يُزكِّي النفسَ أيضًا: أعمالُ القلوب؛ فإن القلبَ ملكُ الجوارح، تصلُح بصلاحه، وتفسُد بفساده، كما جاء في الحديث: ((ألا وإن في الجسد مُضغةً، إذا صلَحت صلَح الجسدُ كله، وإذا فسَدت فسدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب)) أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

ومن أهمّها وأعظمها: نيةُ المرء ومقصودُه من كلّ عملٍ يعمله؛ فقد قال رسول الله : ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى؛ فمن كانت هِجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه)) أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".

فاتقوا الله عبادَ الله، واتّخذوا من كتاب ربِّكم وسنّة نبيِّكم خيرَ مَنهجٍ لتزكية النفوس وإصلاح القلوب، ابتغاءَ رضوان الله، واقتفاءً لأثر الصفوة من عباد الله، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 18].

نفعني الله وإيّاكم بهدي كتابه، وبسنّة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.






الخطبة الثانية


الحمد لله الوليِّ الحميد، الفعَّالِ لما يُريد، أحمده سبحانه يخلقُ ما يشاء ويفعلُ ما يُريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسولُه، صاحب الخُلُق الراشد والنّهجِ السديد، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه.

أمّا بعد: فيا عباد الله، إنَّ النقص والتقصيرَ والخطأ لا يَنفَكُّ عنه إنسان، ولا يَسلمُ منه إلا مَن عصمَه الله، ولذا جاء الأمرُ بالتوبة للناس جميعًا بقولِه سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

والتوبةُ -يا عبادَ الله- من أعظم أسباب التزكيةِ للنفس والإصلاحِ للقلب؛ فإنَّ عبودية التوبةِ كما قال ابن القيم رحمه الله: "من أحبِّ العبوديات إلى الله وأكرمها عليه، فإنه سبحانه يحبُّ التوابين، ولو لم تَكن التوبةُ أَحبَّ الأشياء إليه لما ابتَلَى بالذَّنبِ أكرمَ الخلق عَليه، فلِمَحبَّته لتوبة عبده ابتلاه بالذنب الذي يُوجِبُ وقوعَ محبوبِه من التوبة وزيادة محبَّته لعبده.

فإنَّ للتوبة عنده سبحانه منزلةً ليست لغيرِها من الطاعات، ولهذا يَفرَحُ سبحانه بِتوبَة عبده حين يتوبُ إليه أعظَمَ فرحٍ يُقدَّر، كما مثَّله النبيُّ بفرَح الواجِدِ لراحِلَته التي عليها طعامُه وشرابُه في الأرضِ الدويَّة المُهلِكة بعدما فقدَها وأيِسَ من أسباب الحياة، ولم يجِئ هذا الفرح في شيءٍ من الطاعات سوى التوبَة.

ومَعلومٌ أنَّ لهذا الفرح تأثيرًا عظيمًا في حالِ التائبِ وقلبِه، ومزيدُه لا يُعبَّر عَنه، وهُو من أسرارِ تقدير الذنوب على العباد؛ فإنَّ العبد ينالُ بالتوبةِ دَرجةَ المحبوبيّة، فيصير حبيبًا لله، فإنّ الله يحبُّ التوابين، ويحبُّ العبدَ المُفتَّن التواب، ويُوضِّحُه أنَّ عبودية التوبة فيها من الذل والانكسار والخضوعِ والتملُّق للهِ والتذلُّل لله مَا هو أحَبُّ إليه من كثيرٍ من الأعمالِ الظاهرةِ، وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة؛ فإنّ الذل والانكسار روح العبودية ومخُّها ولبُّها، يُوضِّحه أنَّ حصولَ مراتب الذلّ والانكسار للتائبِ أكملُ منها لغَيره، فإنّه قد شاركَ من لم يُذنِب في ذل الفقر والعبودية والمحبّة، وامتاز عنه بانكسار قلبه.

ولأجل هذا فإنّ أقربَ ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد؛ لأنّه مقامُ ذلٍّ وانكسار بين يدَي ربِّه، ويُوضِّحُه أن الذنبَ قد يكون أنفعَ للعبد إذا اقترنَت به التوبة من كثيرٍ من الطّاعات، وهذا معنى قول بعض السَّلَف: قد يعملُ العبدُ الذنبَ فيدخُل به الجنة، ويعمل الطاعةَ فيدخُل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟! قال: يعمل الذنبَ فلا يزالُ نُصبَ عينيه؛ إن قامَ وإن قعدَ وإن مشى ذكر ذنبَه، فيُحدِثُ له انكسارًا وتوبةً واستغفارًا وندمًا، فيكون ذلك سببَ نجاته، ويعمل الحسنة فلا تزالُ نُصبَ عينيه؛ إن قامَ وإن قعدَ وإن مشى، كلما ذكرَها أورثَته عُجبًا وكِبرًا ومنَّةً، فتكون سببَ هلاكه. فيكون الذنبُ مُوجِبًا لترتُّب طاعاتٍ وحسناتٍ ومعاملاتٍ قلبيّة؛ من خوف الله، والحياء منه، والإطراقِ بين يديه، مُنكِّسًا رأسَه خجِلاً باكيًا نادمًا مُستقيلاً ربَّه، وكلّ واحدٍ من هذه الآثارِ أنفعُ للعَبد من طاعةٍ تُوجِبُ له صولةً وكبرًا وازدراءً بالناس ورؤيتهم بعين الاحتقار.

ولا ريبَ أن هذا المُذنِبَ خيرٌ عند الله وأقربُ إلى النّجاة والفوز من هذا المُعجَبِ بطاعته، الصائلِ بها، المانِّ بها وبحاله على الله عزّ وجلّ وعباده، وإن قال بلسانه خلافَ ذلك، فالله شهيدٌ على ما في قلبه، ويكادُ يُعادِي الخلقَ إذا لم يُعظِّموه ويرفعوه ويخضَعوا له، ويجدُ في قلبه بُغضةً لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتَّش نفسَه حقَّ التفتيش لرأى فيها ذلك كامنًا" انتهى.

هذا، ويجبُ التنبُّه -يا عباد الله- إلى ما في تفسير كثيرٍ من الناس للتوبة من قصورٍ ونقصٍ عن فهم المعنى المُراد؛ فإن كثيرًا من الناس -كما قال ابن القيم رحمه الله- إنما يُفسِّر التوبةَ بالعزم على أن لا يُعاوِدَ الذنبَ، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالندم عليه في الماضي، وإن كان في حقِّ آدميّ فلا بدّ من أمرٍ رابعٍ هو التحلُّل منه، وهذا الذي ذكروه بعضُ مُسمَّى التوبة؛ بل شطرُها، وإلا فالتوبةُ في كلام الله ورسوله كما تتضمَّن ذلك تتضمَّن أيضًا العزمَ على فعل المأمور والتزامه، فلا يكون بمجرّد الإقلاع والعزم والنّدم تائبًا، حتى يُوجَد منه العزمُ الجازمُ على فعل المأمور والإتيان به، فإنّ حقيقةَ التوبةِ الرجوعُ إلى الله بالتزام فِعل ما يُحبُّ وتركِ ما يكره، فهي رُجوعٌ من مكروهٍ إلى محبوب؛ فالرّجوع إلى المحبوبِ جزءُ مُسمَّاها، والرجوعُ عن المكروه هو الجزءُ الآخر، ولهذا علَّق سبحانه الفلاحَ المُطلقَ على فعل المأمور وترك المحظور بها فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]؛ فكلّ تائبٍ مُفلِح، ولا يكون مُفلحًا إلا من فعَل ما أُمِر به وترك ما نُهِي عنه، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11]، وتاركُ المأمور ظالم، كما أنّ فاعلَ المحظور ظالم، وزوالُ اسم الظلم عنه إنما يكون بالتوبة من الأمرين معًا؛ أي: من ترك المأمور ومن فعل المحظور.

فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إلى الله ابتغاءَ رضوانِ الله، وتأسِّيًا برسولِ الله القائل: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإنّي أتوبُ في اليوم إليه مائةَ مرة)) أخرجه مسلم في "صحيحه".

وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله...



ابو حامد
ابو حامد
مدير
مدير

عدد المساهمات : 187
تاريخ التسجيل : 01/08/2010
العمر : 50

http://israwami3raj.nstars.org

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى